الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
722- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة أنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت ولكن لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة وهي تشهد المناسك كلها مع الناس غير أنها لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ولا تقرب المسجد حتى تطهر قال أبو عمر ما قاله بن عمر (رضي الله عنه) نقله جماعة العلماء وهي السنة المأثورة عن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي نفساء أن تغتسل ثم تهل بالحج أو العمرة غير أن لا تطوف بالبيت وأمر عائشة وغيرها من نسائه لما حاضت أن تفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالحج. وأما قول بن عمر في هذا الحديث وما بين الصفا والمروة فإنما ذلك من أجل أن السعي بين الصفا والمروة بالطواف لا فصل بينهما والطواف لا يكون عند الجميع إلا على طهارة وإن كانوا قد اختلفوا في حكم من فعله على غير طهارة ولا يوجبونها شرطا فيه كما هو عندهم في الطواف لأنهم لم يختلفوا فيمن طاف على طهارة فلما أكملها انتقضت طهارته أنه يهدي هديا صحيحا فالطواف لو ترك كان بالهدي أولى وفي هذا الخبر وما كان مثله دليل على أن الحائض لا تقرأ القرآن وفي القياس ولا شيئا منه لأنها لو قرأت القرآن صلت ولو صلت دخلت المسجد وعلى هذا أكثر العلماء وهي رواية أشهب عن مالك وهو الصواب وبالله التوفيق. 733- مالك انه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا عام الحديبية وعام القضية وعام الجعرانة وهذا الحديث يتصل من وجوه قد ذكرناها في التمهيد. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن بن شهاب قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر اعتمر من الجحفة عام الحديبية فصده الذين كفروا في ذي القعدة سنة ست واعتمر في العام المقبل في ذي القعدة سنة تسع آمنا هو وأصحابه ثم اعتمر الثالثة في ذي القعدة سنة ثلاث حين أقبل من الطائف من الجعرانة ورواه معمر عن الزهري مثله سواء إلا أنه قال أربع منهن واحدة مع حجته وهذا يشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حجته قارنا عنده وذهب إلى هذا جماعة غيره وقال بن شهاب أيضا في الثلاث العمر كلهن في ذي القعدة وعروة بن الزبير يقول اثنتان في ذي القعدة وواحدة في شوال. 724- ذكره مالك في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا ثلاثا إحداهن في شوال واثنتين في ذي القعدة وقد روي حديث عروة هذا مسندا ذكرناه في التمهيد كذلك من وجوه أحدها من كتاب أبي داود قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال وقد روي بمثل ما قال بن شهاب أن عمرة كلها كانت في ذي القعدة إلا عمرته التي كانت مع حجته آثار مرفوعة حسان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وذكر البزار قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا كلها في ذي القعدة إحداهن زمن الحديبية والأخرى في صلح قريش والأخرى مرجعه من الطائف ومن حنين من الجعرانة أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وعمر بن حنين قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا جرير عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد وإذا بن عمر جالس إلى حجرة عائشة فسألناه كم اعتمر النبي (عليه السلام) فقال أربعا إحداهن في رجب وكرهنا أن نرد عليه فقلنا يا أم المؤمنين أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن فقالت وما يقول قال يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط. وحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر. 725- وفي هذا الباب مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال أأعتمر قبل أن أحج فقال سعيد نعم قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج. 726- وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا سلمة استأذن عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال فإذن له فاعتمر ثم قفل إلى أهله ولم يحج قال أبو عمر الحج والعمرة نسكان لا يختلف العلماء في ذلك أن المستطيع السبيل إليهما يبدأ بأيهما شاء وقد جاء ذلك عن جماعة من السلف ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال سئل زيد بن ثابت عن رجل اعتمر قبل أن يحج فقال صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت قال الحسن وقال هشام نسكان لا يضرك بأيهما بدأت وعن معمر عن أيوب عن بن سيرين عن زيد بن ثابت مثله وعن الثوري عن سليمان التيمي عن سعيد الجريري عن حيان بن عمير قال سألت بن عباس فذكر مثله والحجة ما قاله سعيد بن المسيب لمسائله قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا إسحاق الأزرق قال حدثنا زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج قال أبو عمر إنما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج على ما ذكره في شهور الحج على ما ذكره العلماء كبراء أصحابه أن العمرة في شهور الحج جائزة خلافا لما كان عليه المشركون في جهالتهم ولذلك استأذن والله أعلم عمر بن أبي سلمة عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال ليقف على ما في ذلك عمر لأنه لم يكن ممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه إلا قليلا وكان سفيان بن عيينة يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لم يرد به فسخ الحج وإنما أراد جواز عمل العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة مفردة ويستمتع بها إلى الحج وأن يقرن مع الحج كل ذلك جائز إلى يوم القيامة وهو قول حسن جدا. 727- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم قال مالك فيمن أحرم من التنعيم إنه يقطع التلبية حين يرى البيت قال يحيى سئل مالك عن الرجل يعتمر من بعض المواقيت وهو من أهل المدينة أو غيرهم متى يقطع التلبية قال أما المهل من المواقيت فإنه يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم قال وبلغني أن عبد الله بن عمر كان يصنع ذلك قال أبو عمر اختلف العلماء في قطع التلبية في العمرة فقال مالك ما ذكره في موطئه على ما ذكرناه وأضاف قوله ذلك إلى بن عمر وعروة بن الزبير. وقال الشافعي يقطع المعتمر التلبية في العمرة إذا افتتح الطواف وقال مرة يلبي المعتمر حتى يستلم الركن وهو شيء واحد. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يزال المعتمر يلبي حتى يفتتح الطواف قال أبو عمر لأن التلبية استجابة لما ذكر إليه فرضا أو ندبا فإذا وصل إلى البيت قطع الاستجابة والله أعلم وهؤلاء كلهم لا يفرقون بين المهل بالعمرة بعيد أو قريب. 728- مالك عن بن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب أنه حدثه انه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك بن قيس لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله (عز وجل) فقال سعد بئس ما قلت يا بن أخي فقال الضحاك فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك فقال سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه قال أبو عمر قد ذكرنا سعد بن أبي وقاص الزهري والضحاك بن قيس الفهري في كتاب الصحابة بما يجب من ذكرهما وذكرنا محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي وإخوته في التمهيد في هذا الحديث ذكر التمتع بالعمرة إلى الحج والتمتع على أربعة أوجه ومعان أحدها التمتع المعروف عند عامة العلماء وهو ما أورد مالك بعد في هذا الباب من موطئه. 729- عن عبد الله بن دينار عن بن عمر فبين به معنى التمتع عنه فقال إنه كان يقول من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الوقفة ثم أقام بمكة حتى أدركه الحج فهو متمتع إن حج وعليه ما استيسر من الهدي فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال أبو عمر ما ذكره مالك في هذا الحديث عن عبد الله بن دينار عن بن عمر لا اختلاف بين العلماء أنه التمتع المراد بقوله (عز وجل) (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) [البقرة 196]. إلا أنه قصر فيه وأجمل ما فسر فيه معنى التمتع عند الجميع إن شاء الله فمن ذلك قوله إن حج يعني في عامة ذلك ويحتاج مع ذلك أن يكون من غير أهل مكة فيكون مسكنه وأهله من وراء المواقيت إلى سائر الآفاق فإذا كان كذلك وطاف بعمرة لله وسعى لها في أشهر الحج بعد أن يكون إحرامه كما قال بن عمر في أشهر الحج وحل من عمرته بالسعي لها بين الصفا والمروة قبل أوان عمل الحج ثم أنشأ الحج من مكة بعد حله فحج من عامه فهذا متمتع عند جماعة العلماء فإن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج وطاف لها في أشهر الحج فهو موضع اختلاف وسنذكر في هذا الباب بعد الفراغ من الكلام في معنى حديث سعد والضحاك وما للعلماء من المذاهب في وجوه التمتع إن شاء الله ومن معنى التمتع أيضا القران عند جماعة من الفقهاء لأن القارن يتمتع بسقوط سفره الثاني من بلده كما صنع المتمتع في عمرته إذا حج من عامه ولم ينصرف إلى بلده فالتمتع والقران يتفقان في هذا المعنى وكذلك يتفقان عند أكثر العلماء في الهدي والصيام لمن لم يجد هديا منها. وأما قول الضحاك بن قيس في التمتع إنه لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فإنه لم يكن عنده علم في سبب نهي عمر عن التمتع وفي إنكار سعد على الضحاك قوله دليل على أن العالم يلزمه إنكار ما سمعه من كل قول يضاف به إلى العلم ما ليس بعلم إنكارا فيه رفق وتوءدة ألا ترى قول سعيد له ليس ما قلت يا بن أخي فلما أخبره الضحاك أن عمر نهى عنها لم ير ذلك حجة لما كان عنده حجة من السنة وقال صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه وكذلك قال عمران بن حصين نزل القرآن بالتمتع وصنعناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قال رجل بدا له ما شاء قال أبو عمر يعني عمر (رضي الله عنه) وقد كان بن عمر يخالف أباه في ذلك فكان يقول ما ذكره مالك في هذا الباب. 730- عن صدقة بن يسار عنه قال والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلي أن أعتمر بعد الحج قال أبو عمر التمتع الذي قدمنا ذكره عن جمهور العلماء وأئمة الفتوى ثم القران وجهان من التمتع والوجه الثالث هو فسخ الحج في عمرة وجمهور العلماء يكرهونه وقد ذكرنا من مال إليه وقال به في غير هذا الباب من هذا الكتاب والوجه الرابع ما ذهب إليه بن الزبير أن التمتع هو تمتع المحصر وهو محفوظ عن بن الزبير من وجوه منها ما رواه وهيب قال حدثنا إسحاق بن سويد قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يخطب ويقول يا أيها الناس إنه والله ليس التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحل ثم يتمتع بحله إلى العام المقبل ثم يحل ويهدي. وأما نهي عمر بن الخطاب عن التمتع فإنما هو عندي نهي أدب لا نهي تحريم لأنه كان يعلم أن التمتع مباح وأن القران مباح وأن الإفراد مباح فلما صحت عنده الإباحة والتخيير في ذلك كله اختار الإفراد فكان يحض على ما هو المختار عنده ولهذا كان يقول أفصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج وهذا قد خالفه فيه جماعة من الصحابة القائلين بالتمتع وبالقران أيضا واختاروهما على الإفراد فمن حجة من اختار التمتع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة والصحيح عندي أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لم ينه عن التمتع المذكور في هذا الباب لأنه كان أعلم بالله ورسوله من أن ينهي عما أباحه الله في كتابه وأباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به وأذن فيه وإنما نهى عمر عند أكثر العلماء عن فسخ الحج في العمرة فهذه العمرة التي تواعد عليها عمر وفيها روي الحديث عنه أنه قال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج يعني فسخ الحج في العمرة وعلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز عند اكثر علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم لقول الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. يعني لمن دخل فيه ولا أعرف من الصحابة من يجيز فسخ الحج في العمرة بل خص به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عن عثمان بن عفان أنه قال متعة الحج كانت لنا ليست لكم يعني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة بفسخ الحج في العمرة وقال أبو ذر ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخ بعمرة وروى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه قال قلت يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا فقال بل لنا خاصة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد ونذكرها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله. وأما قول سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه فإن ظاهره يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعا وهذا قد روي فيه من الآثار ما ذكرنا في باب الإفراد ولا يصح عندي أن يكون متمتعا إلا تمتع قران لأنه لا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل من عمرته حين أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة فإنه أقام محرما من أجل هدية إلى محل الهدي يوم ينحر وهذا حكم القارن لا حكم المتمتع وقد تأول من قال بالإقران قوله صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد هذا وفيه حديث عمران بن حصين المذكور وفي قول بن عمر تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وساق الهدي أن ذلك كله أضافوه إليه لأمره به فأشار به لا أنه يعلمه في خاصة نفسه كما قالوا رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاني المحصن وقطع السارق ونحو ذلك وهذا اعتلال غير صحيح لأنه يلزمهم مثله في رواية من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج أي أباحه وأذن فيه ولم يفعله في خاصته ولكل واحد منهم حجج يدعو بها يطول ذكرها وقد ذكرنا أصولها وعيونها في التمهيد وفي مواضع من هذا الكتاب وفي هذا الباب قال مالك في رجل من أهل مكة انقطع إلى غيرها وسكن سواها ثم قدم معتمرا في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى أنشأ الحج منها إنه متمتع يجب عليه الهدي أو الصيام إن لم يجد هديا وأنه لا يكون مثل أهل مكة قال أبو عمر لا خلاف بين أهل العلم فيما ذكره مالك في هذه المسألة إلا شذوذ لا يعرج عليه ولا التفت أحد من الفقهاء إليه إذا لم يكن له أهل بمكة وقد ذكرناه وذكر أنه سئل عن رجل من غير أهل مكة دخل مكة بعمرة في أشهر الحج وهو يريد الإقامة بمكة ينشئ الحج أامتمتع هو فقال نعم هو متمتع وليس هو مثل أهل مكة وإن أراد الإقامة وذلك أنه دخل مكة وليس هو من أهلها وإنما الهدي أو الصيام على من لم يكن من أهل مكة وأن هذا الرجل يريد الإقامة ولا يدري ما يبدو له بعد ذلك قال أبو عمر قد احتج مالك لمسألته هذه بقوله أنه يريد الإقامة ولا يدري ما يبدو له يعني أنه لا يكون مكيا إلا حتى يصبح استيطانه وسكنه بمكة أقل ذلك عام لأنه رجل من غير أهل مكة دخل مكة معتمرا وحكم التمتع إنما جعله الله تعالى لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وهذا لا خلاف فيه إلا في حاضري المسجد الحرام منهم وسنذكر ذلك فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله. 731- وفي هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول من اعتمر في شوال أو ذي العقدة أو في ذي الحجة ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج وما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال أبو عمر قول سعيد هذا قد تقدم في معنى قول بن عمر وقول مالك ولا مدخل للقول فيه إلا أنه لم يستثن من كان أهله حاضري المسجد الحرام الذين لازم عليهم أن يتمتعوا هم أهل مكة وأهل الوادي ذي طوى وما كان من ذلك مثل مكة وقال الثوري هم أهل مكة دون غيرهم. وقال أبو حنيفة هم أهل المواقيت ومن بعدهم إلى مكة ومن اعتمر عند أبي حنيفة وأصحابه من المواقيت أو من دونها إلى مكة ثم حج من عامه فليس بمتمتع ولا هدي عليه وقال مكحول من كان منزله وأهله دون المواقيت إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام. وأما أهل المواقيت فهم كسائر أهل الآفاق وروي ذلك عن عطاء وهو قول الشافعي بالعراق. وقال الشافعي بمصر حاضرو المسجد الحرام من كان بينه وبين مكة ليلتان وذلك أدنى المواقيت ومن كان له ساق من منزله إلى مكة لم يجز له أن يقصر الصلاة وهو قول عطاء في اعتبار ما تقصر فيه الصلاة قال. وأما ضجنان وعرفة والنخلتان والترجيع ومر الظهران فأهلها من حاضري المسجد الحرام وقال طاوس ومجاهد من كان ساكن الحرم فهو من حاضري المسجد الحرام وإليه ذهب طاوس وأهل العلم. وقال أبو حنيفة حاضرو المسجد الحرام ليس لهم أن يتمتعوا ولا أن يقرنوا وروي مثل ذلك عن الحسن البصري وجماعة من التابعين وبه قال أبو عبيد. وقال مالك لا أحب على أن يقرن بين الحج والعمرة ولا أعلم أن مكيا قرن وقال بن الماجشون على أهل مكة الدم متى قرنوا ولا دم عليهم إن تمتعوا. 732- قال مالك من اعتمر في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فليس عليه هدي إنما الهدي على من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع وليس عليه هدي ولا صيام وهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنيها سئل مالك عن رجل من أهل مكة خرج إلى الرباط أو إلى سفر من الأسفار ثم رجع إلى مكة وهو يريد الإقامة بها كان له أهل بمكة أو لا أهل له بها فدخلها بعمرة في أشهر الحج ثم أنشأ الحج وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم أو دونه أمتمتع من كان على تلك الحالة فقال مالك ليس عليه ما على المتمتع من الهدي أو الصيام وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) [البقرة 196]. قال أبو عمر أما قول مالك فليس عليه هدي يريد أنه ليس بمتمتع فلذلك لم يلزمه الهدي ولو كان متمتعا للزمه الهدي في التمتع عند جمهور العلماء هذا الذي لا يرجع إلى بلده ويحج من عامه وروي عن الحسن في ذلك خلاف ما عليه الجمهور وذلك أنه قال عليه الهدي حج أو لم يحج رجع إلى بلده أو لم يرجع لأنه كان يقول عمرة في أشهر الحج متعة وروى شعبة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج ثم يرجعون فلا يهدون فقلت لسعيد بن المسيب فإن حج من عامه فقال فعليه الهدي قال قتادة وقال الحسن عليه الهدي حج أو لم يحج وروى هشيم بن بشير عن الحسن مثله قال عليه الهدي حج أو لم يحج وروى أشعث عن الحسن قال من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فعليه هدي لأنه كان يقال عمرة في أشهر الحج متعة وروى هشيم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى يحج فهو متمتع وعليه الهدي فإن رجع إلى مصره ثم حج من عامه فلا شيء عليه قال أبو عمر على قول سعيد هذا فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وقد روي عن طاوس في التمتع قولان هما أشد شذوذا مما ذكرنا عن الحسن أحدهما أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج من عامه فهو متمتع وهذا لم يقله أحد من العلماء غيره فيما علمت وذلك والله أعلم أن شهور الحج أحق بالحج من العمرة لأن العمرة جائزة في السنة كلها والحج إنما موضعه أشهر معلومات فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج ولم يحج العام فقد جعل العمرة في عام كان الحج أولى بها ثم رخص الله (عز وجل) في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في العمرة في أشهر الحج للمتمتع وللقارن ولمن شاء أن يفردها في أشهر الحج والقول الآخر قاله في المكي إذا تمتع من مصر من الأمصار فعليه الهدي وهذا لم يعرج عليه أحد لظاهر قول الله (عز وجل) (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) [البقرة 196]. وأوجب القول فيمن أنشأ عمرة في غير أشهر الحج ثم عملها في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك ف قال مالك عمرته في الشهر الذي حل فيه يريد إن كان حل منها في غير أشهر الحج فليس بمتمتع وإن كان حل منها في أشهر الحج فهو متمتع إن حج من عامه وقال الثوري إذا قدم الرجل معتمرا في شهر رمضان وقد بقي عليه منه يوم أو يومان فلم يطف لعمرته حتى رأى هلال شوال فكان إبراهيم يقول هو متمتع وأحب إلي أن يهريق دما. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طاف للعمرة ثلاثة أشواط في رمضان وأربعة أشواط في شوال كان متمتعا وإن طاف لها أربعة في رمضان وثلاثة في شوال لم يكون متمتعا قال الشافعي إذا طاف بالبيت في أشهر الحج بالعمرة فهو متمتع إن حج من عامه ذلك وذلك أن العمرة إنما تكمل بالطواف بالبيت وإنما ينظر إلى كمالها. وقال أبو ثور إذا دخل في العمرة في غير أشهر الحج فبدأ الطواف لها في رمضان أو في شوال لا يكون متمتعا واختلفوا في وقت وجوب الهدي على المتمتع ف ذكر بن وهب عن مالك أنه سئل عن المتمتع بالعمرة إلى الحج يموت بعد ما يخرج بالحج بعرفة أو غيرها أترى عليه هديا قال من مات من أولئك قبل أن يرمي جمرة العقبة فلا أرى عليه هديا ومن رمى ثم مات فعليه الهدي قيل له فالهدي من رأس المال أو من الثلث قال بل من رأس المال. وقال الشافعي إذا أحرم بالحج فقد وجب عليه دم المتعة إذا كان واجدا لذلك ذكره الزعفراني عنه وهو قول الكوفيين وقال ربيعة إذا أهل المتمتع بالحج ثم مات من ساعته أو قبل أن يصوم ففيه قولان أحدهما أن عليه دم المتعة لأنه دين عليه ولا يجوز أن يصام عنه والآخر أنه لا دم عليه لأن الوقت الذي قد وجب عليه الصوم قد مات فيه واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم أن المتمتع إذا لم يجد هديا صام ثلاثة أيام إذا أحرم بالحج إلى آخر يوم عرفة وهو قول أبي ثور وقال عطاء لا بأس أن يصوم المتمتع في العشر وهو حلال قبل أن يحرم وقال مجاهد وطاووس إذا صامهن في أشهر الحج أجزاه. وقال مالك إن صام بعد إحرامه بالعمرة وهو يريد أن يتمتع بالعمرة إلى الحج لم يجزه ولكن يصوم ما بين إحرامه بالحج إلى يوم عرفة وهو قول الشافعي وروي عن عائشة وبن عمر مثل ذلك وقال الثوري وأبو حنيفة إن من صام بعد إحرامه بالعمرة أجزاه وقال زفر إذا بدأ بالحج فأحرم به وهو يريد أن يضيف إليه عمرة فصام قبل إحرامه للعمرة أجزاه وقال أبو يوسف إن بدأ بإحرام العمرة فصام قبل إحرام الحج أجزاه وإن بدأ بإحرام الحج فصام قبل إحرام العمرة يجزيه وقال الحسن بن زياد إن أحرم بالعمرة لم يجزه الصوم حتى يحرم بالحج وهو قول عمرو بن دينار وقال عطاء لا يصوم حتى يقف بعرفة وأجمعوا على أن الصوم لا سبيل للمتمتع إليه إذا كان يجد الهدي فلا يصم الثلاثة الأيام قبل يوم النحر فقال مالك يصومها في أيام التشريق فإن فاته ذلك صام عشرة أيام إذا رجع إلى بلاده وأجزاه وإن وجد هديا بعد رجوعه وقبل صومه أهدى قبل أن يصوم. وقال أبو حنيفة إذا لم يصم الثلاثة الأيام في الحج لم يجزه الصوم بعد وكان عليه هديان هدي لمتعتة أو قرانه وهدي لتحلله من غير هدي ولا صيام وقال سفيان الثوري إذا لم يصم الثلاثة الأيام في الحج ولا سبيل إلى الصيام بعد وقال الأوزاعي لا يقضى يوم النحر حتى يهدي أو يصوم فإن لم يهد حتى رجع إلى بلاده فعليه هدي ويصوم عشرة أيام في بلده ويهدي إن وجد وعن الشافعي قولان أحدهما قول مالك والآخر كقول أبي حنيفة واختلف قوله في صيام أيام منى للمتمتع إذا لم يجد الهدي فقال بالعراق يصومها كقول مالك وقال في مصر لا يصومها أحد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها واختلفوا فيه إذا كان غير واجد للهدي فصام ثم وجد الهدي قبل كمال صومه ف ذكر بن وهب عن مالك قال إذا دخل في الصوم فإن وجد هديا فأحب إلي أن يهدي فإن لم يفعل أجزاه الصيام وذكر بن عبد الحكم وغيره عن مالك في هذا الباب أن المتظاهر والحالف إن دخل أحدهم في الصيام ثم وجد المتمتع الهدي أو وجد المتظاهر الرقبة والحالف ما يطعم أو يكسو أن كل واحد منهما بالخيار بعد دخوله في الصوم أنه إن شاء فادى في الصوم وإن شاء رجع إلى ما كان عليه. وقال أبو حنيفة والثوري لا يجزئ الصوم واحدا منهم إذا وجد قبل أن يتم صومه وهو قول عطاء وعثمان البتي والحسن بن صالح. وقال الشافعي يمضي في صومه وهو فرضه كما يمضي في الصلاة بالتيمم إذا طرأ عليه الماء وهو فيها وهو قول أبي ثور. وقال أبو حنيفة إذا أيسر المتمتع في يوم الثلاث من صومه يصل الصوم ووجب الهدي فإن صام ثلاثة أيام في الحج كاملة ثم أيسر كان له أن يصوم السبعة الأيام ولا يرجع إلى الهدي وقال إبراهيم النخعي إذا وجد ما يذبح قبل أن يحل من حجه فليذبح وإن كان قد صام لم يجد ما يذبح حتى يحل فقد أجزاه الصوم وقال عطاء إن صام ثم وجد ما يذبح فليذبح حل أو لم يحل ما كان في أيام التشريق واختلفوا فيما على من فاته صوم الثلاثة الأيام قبل يوم النحر ف ذكر بن وهب عن مالك قال من نسي صوم الثلاثة الأيام في الحج أو مرض فيها فإن كان بمكة فليصم الثلاثة الأيام فيها وليصم إذا رجع إلى أهله سبعة وإن كان رجع إلى أهله فليهد إن قدر فإن لم يقدر فليصم ثلاثة وسبعة بعدها وهو قول أبي ثور وتحصيل مذهبه إنه إذا قدم بلده ولم يصم ثم وجد الهدي لم يجزه الصوم ولا يصوم إلا إذا لم يجد هديا. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا انقضى يوم عرفة ولم يصم الثلاثة الأيام فعليه دم واتفق مالك وغيره والشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور على أن المتمتع يطوف لعمرته بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وعليه بعد ذلك طواف آخر لحجه وسعي آخر بين الصفا والمروة وروي عن عطاء وطاوس ومجاهد أنه يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة واختلفوا في حكم المتمتع الذي يسوق الهدي ف قال مالك إن كان متمتعا حل إذا طاف وسعى ولا ينحر هديه إلا بمنى إلا أن يكون مفردا للعمرة فإن كان مفردا للعمرة نحره بمكة وإن كان قارنا نحره بمنى ذكره بن وهب وغيره عن مالك. وقال مالك من أهدى هديا للعمرة وهو متمتع لم يجزه ذلك وعليه هدي آخر لمتعته لأنه إنما يصير متمتعا إذا أنشأ الحج بعد أن حل من عمرته وحينئذ يجب عليه الهدي. وقال أبو حنيفة وأبو بكر ومحمد والثوري وإسحاق وأبو ثور لا ينحر المتمتع هديا إلا يوم النحر. وقال أحمد إن قدم المتمتع قبل العشر طاف وسعى ونحر هديه وإن قدم في العشر لم ينحر إلا يوم النحر وقاله عطاء. وقال الشافعي يحل من عمرته إذا طاف وسعى ساق هديا أو لم يسق. وقال أبو ثور يحل ولكن لا ينحر هديه حتى يحرم بالحج وينحره يوم النحر وقول أحمد بن حنبل في مسائل المتمتع المذكورة كلها في هذا الباب كقول الشافعي سواء قال أبو حنيفة وأصحابه إذا لم يسق المتمتع هديا فإذا فرغ من عمرته كان حلالا ولا يزال كذلك حتى يحرم بالحج فيصير حراما ولو كان ساق الهدي لمتعته لم يحل من عمرته حتى يحل من حجة لأنه ساق الهدي معه وحجتهم في ذلك حديث بن عمر أن حفصة قالت ما بال الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك. وقال مالك والشافعي إذا ساق المتمتع الهدي لمتعته وطاف للعمرة وسعى حل إلى يوم التروية قال الشافعي وما يكون متمتعا إذا استمتع بإحلاله إلا أن يحرم بالحج يوم التروية فأما من لم يحل من المعتمر فإنما هو قارن لا متمتع وبالله التوفيق. 733- مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قال أبو عمر هذا حديث مسند صحيح وقوله فيه العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما مثل قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر قد ذكرنا الأحاديث بذلك في كتاب الصلاة. وأما قوله الحج المبرور فهو الحج المتقبل والله أعلم وقد روى يحيى بن أبي كثير عن جعفر عن أبي هريرة قال الحج المبرور يكفر خطأ تلك السنة وأبو جعفر هذا رجل من أهل المدينة مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وسمي أصح منه وهو يرفعه لأن معناه يقتضي أنه صح وسلم من الخطايا قبل حجه وإنما تكون الجنة جزاء من غفر له وثقلت موازين حسناته وتجاوز الله عن سيئاته ويشهد لحديث سمي هذا حديث أبي حازم عن أبي هريرة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن سليمان عن منصور عن هلال بن يسار عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه وقيل الحج المبرور الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق وكانت النفقة فيه من المال الطيب وقد قيل في الحج المبرور حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا حكيم بن سالم الرازي عن ثعلبة عن ليث عن مجاهد عن بن عمر قال الحج المبرور إطعام الطعام وحسن الصحبة وروى ضمرة بن ربيعة عن ثور بن يزيد قال من أم هذا البيت ولم يكن فيه ثلاث خصال لم يسلم له حجة من لم يكن له حلم يضبط به جهله وورع عما حرم الله عليه وحسن الصحبة لمن صحبة وقد حدثنا احمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أيوب عن سويد عن الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بر الحج قال إطعام الطعام وطيب الكلام وذكر بن شاهين قال حدثنا أحمد بن المغلس قال حدثنا عروة بن علي قال حدثنا عمر بن أبي خلف العنبري قال حدثنا داود أبو سعيد قال قال رجل للحسن يا أبا سعيد ما الحج المبرور قال أن يدفع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. 734- مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني قد كنت تجهزت للحج فاعترض لي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة قال أبو عمر هكذا الحديث (مرسلا) في الموطأ إلا انه قد صح أن أبا بكر بن عبد الرحمن قال سمعت من تلك المرأة فصار بذلك مسندا وقد ذكرنا شواهد الآثار المسندة بما وصفنا في التمهيد وفيه من الفقه تطوع النساء بالحج إذا كان معهن ذو محرم أو زوج أو كانت المرأة في جماعة نساء يعين بعضهن بعضا يعني أن لا ينضم الرجال إليهن عند النزول والركوب وكانت الطرق مأمونة وفيه أن بعض الأعمال أفضل من بعض وأن الشهور بعضها أفضل من بعض وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة من حديث علي بن أبي طالب وأنس وبن عباس وأم معقل وهو حديثه هذا وقد ذكرنا الأسانيد من أحاديث هؤلاء في التمهيد وأحسنها حديث بن عباس وقيل في هذه المرأة أم معقل وقيل أم الهيثم وقيل أم سنان وهي جدة عبد الله بن سلام والأشهر أم معقل ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد من خزيمة يقال لها أم معقل قالت قلت يا رسول الله إني رأيت الحج فضل جملي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة فيه تعدل حجة هكذا قال الزهري أم معقل في اسم المرأة وقد تابعه على ذلك جماعة قال بن جريج سمعت داود بن أبي عاصم يحدث بهذا الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال اسم المرأة أم سنان. وأما قوله فإن عمرة في رمضان كحجة يريد والله أعلم في التطوع لكل واحد منهما والثواب عليهما أنه سواء والله يوفي فضله من يشاء والفضائل ما تدرك بقياس وإنما فيها ما جاء في النص. 735- وفي الباب مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج قال أبو عمر كان عمر (رضي الله عنه) يرى الأفراد ويميل إليه ويستحبه فلا يرى أن يقرن الحج مع العمرة وإن كان ذلك عنده جائز بدليل حديث الصبي بن معبد إذ قرن وسأله عن القرآن وذكر له إنكار سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان لتلبيته بالحج والعمرة معا فقال له هديت لسنة نبيك فهذا بين له أن القرآن عنده سنة ولكنه أستحب الإفراد لأنه إذا أفرد الحج ثم قصد البيت من قابل العمرة أو قبلها في عامه من بلده أو من مكة في غير أشهر الحج كان عمله وتعبه ونفقته أكثر ولهذا لم يكن يستحب العمرة في أشهر الحج ولا استحب التمتع بالعمرة إلى الحج كل ذلك حرص منه على زيارة البيت وعلى كثرة العمل لأن من أفرد عمرته من حجة كان أكثر عملا من القارن ومن كان أكثر عملا كان اكثر أجرا إن شاء الله أو لما أعلم الله عز وجل من استحبابه الإفراد ولعله كان يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا في حجته فمال إلى ذلك واستحبه ولقد روي عنه أنه قال في قول الله (عز وجل) (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. قال إتمامها أن تفردها وتفرد الحج ولا أعلم أحدا من السلف روي ذلك عنه غيره إلا طاوسا ومن هذا المعنى حديثه هذا افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وعمرته وللعلماء في قول الله (عز وجل) (وأتموا الحج والعمرة لله) أقوال منها قول عمر هذا ومنها قول علي وطائفة قالوا إتمامها أن تحرم بهما من منزلك أو مسكنك ومنها قول من قال (وأتموا الحج والعمرة) أي أقيموا الحج والعمرة ذكر عبد الرزاق قال أخبرني الثوري عن ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن طاوس في قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) قال إتمامهما أن تفردهما وتحرم من دويرة أهلك وقالت طائفة من أهل العلم إنما خوطب بهذه الآية من دخل في الحج أو العمرة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم قال سئل بن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال إن عمر لم يقل الذي تقولون إنما قال عمر أفردوا الحج من العمرة فإنه أتم للحج وأتم للعمرة أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله تعالى وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أكثروا عليه قال كتاب الله أحق أن يتبع أو عمر قال. وأخبرنا معمر عن صدقة بن يسار قال سمعت بن عمر يقول لو أن بين الحج والعمرة أحب إلي من المتعة قال. وأخبرني بن التيمي عن القاسم بن الفضل قال سمعت رجلا قال أنهى عمر عن متعة الحج قال لا أبعد كتاب الله !. 736- مالك أنه بلغه أن عثمان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع المغني في هذا الخبر عن عثمان بن عفان ما كان عليه (رضي الله عنه) من الحرص على الطاعة والقربة إلى الله بالانصراف إلى دار الهجرة التي افترض عليه المقام فيها وأن لا يظعن عنها إلا فيما لا بد منه من دين أو دنيا ظعن سفر لا ظغن إقامة عنها وكان من الفرض عليه وعلى كل من كان مثله ألا يرجع للسكنى والمقام إلى الدار التي افترض عليه الهجرة منها وانصرف وأن يجعل الانصراف إلى موضع هجرته بمقدار ما يمكنه وإنما أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا يعني لقضاء حاجاته فرأى عثمان أنه مستغن عن الرخصة في ذلك لما يلزم من القيام بأمور الخاصة والعامة من المسلمين وفي هذا الباب أيضا قال مالك العمرة سنة ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها قال أبو عمر هذا اللفظ يدل ظاهرة على وجوب العمرة وقد جهل بعض الناس مذهب مالك فظن أنه يوجب العمرة فرضا بقوله ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها وقال هذا سبيل الفرائض وليس كذلك عند جماعة أصحابه ولا يختلفون عنه أنها سنة مؤكدة وقال إبراهيم النخعي هي سنة حسنة وكان الشافعي ببغداد يقول هي سنة لا فرض وقال بمصر هي فرض لازم كالحج مرة في الدهر وهو قول بن عمر وبن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وبن سيرين وداود وسعيد بن جبير وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور على اختلاف عنه. وقال أبو حنيفة وأصحابه هي تطوع وليست بواجبه وهو قول الشعبي وبه قال أبو ثور وداود وروي عن بن مسعود قال الحج فريضة والعمرة تطوع وذكر الطبري أن قول أبي ثور كقول الشافعي المصري يوجبون العمرة وذكره بن المنذر عن أبي حنيفة فأخطأ عليه عند جماعة أصحابه وقال الثوري الذي بلغنا وسمعنا أنها واجبة وقال الأوزاعي كان بن عباس يقول إنها واجبة كوجوب الحج قال أبو عمر المعروف من مذهب الثوري والأوزاعي إيجابها ومن حجة من لم يوجب العمرة أن الله (عز وجل) لم يوجب العمرة بنص مجتمع عليه ولا أوجبها رسوله في ثابت النقل عنه ولا اتفق المسلمون على إيجابها والفروض لا تجب إلا من هذه الوجوه أو من دليل منها لا مدفع فيه وحجة من أوجبها وهم الأكثر قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. ومعنى أتموا عند من قال بذلك أقيموا الحج والعمرة لله وقالوا لما كان (وأقيموا) في قوله تعالى (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) [النساء 196]. أي فأتموا الصلاة كان معنى (فأتموا) أقيموا وروى الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم في حرف بن مسعود (وأقيموا الحج والعمرة) إلى (البيت) قال الحج المناسك كلها والعمرة الطواف والسعي ذكر بن وهب عن مالك قال العمرة سنة وليست بواجبة مثل الحج لكل شيء قدرا وذكر بن وهب عن مالك أيضا قال لا يعتمر في السنة إلا مرة كما لا يحج إلا مرة. وقال أحمد وإسحاق العمرة واجبة وتقضي منها المتعة وهو قول جماعة من السلف وروي عن عمر بن الخطاب قال كتب الله عليكم الحج والعمرة وروي وجوب العمرة عن علي وبن عباس وبن عمر وروى بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن بن عباس قال والله إنها لقرينتها في كتاب الله ( عز وجل) (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. وروى بن جريج وأيوب وعبيد الله عن نافع عن بن عمر انه قال ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان إن استطاع إليهم السبيل والآثار عمن ذكرنا كثيرة جدا وروي عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ألا نخرج ونجاهد معك فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد قال لا إن لكن أحسن الجهاد حج البيت حج مبرور ومعنى هذه الآية عند من لم يوجب العمرة فرضا وجوب إتمامها وإتمام الحج على من دخل فيها قالوا ولا يقال (أتموا) إلا لمن دخل في ذلك العمل واستدلوا على صحة هذا التأول بالإجماع على أن من دخل في حجة أو عمرة ضرورة كانت أو غير ضرورة متطوعا كان أو مؤديا فرضا ثم عرض له ما يفسده عليه أنه واجب عليه إتمام ذلك الحج وتلك العمرة والتمادي فيهما مع فسادهما حتى يتمهما ثم يقضي بعد بخلاف الصلاة وهذا الإجماع أولى بتأويل الآية أيضا قولان آخران قد مضى ذكرهما في هذا الباب ومن حجة من لم يوجب العمرة حديث الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي قال لا ولأن تعتمر خير لك وهذا لا حجة فيه عند أهل العلم بالحديث لانفراد الحجاج به وما انفرد به فليس بحجة عندهم وقد روى شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين قال قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة قال فاحجج عن أبيك واعتمر وهذا الحديث عندهم أصح من حديث الحجاج بن أرطأة وقد روى الثوري عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج واجب والعمرة تطوع وهذا منقطع ولا حجة فيه ومثله مما يعارضه حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم العمرة الحج الأصغر وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة أنه كان يحدث أنه لما نزلت (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران 97 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي حج وعمرة فمن قضاهما فقد قضى الفريضة والذي نفسي بيده لو قلت كل عام لوجبت قال معمر قال قتادة العمرة واجبة قال. وأخبرنا بن جريج عن بن عطاء عن عكرمة عن بن عباس قال. وأخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال سمعت بن عباس إنها لقرينتها في كتاب الله ثم قرأ (وأتموا الحج والعمرة لله) البقرة قال. وأخبرني الثوري عن سعيد الجريري وسليمان التيمي عن حيان بن عمير عن بن عباس قال العمرة واجبة قال. وأخبرنا بن جريج قال أخبرني نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إليه سبيلا ومن زاد بعدهما شيئا فهو خير وتطوع قال. وأخبرني الثوري ومعمر عن بن جريج عن نافع عن بن عمر قال العمرة واجبة قال. وأخبرنا عبد الله بن أبي سليمان قال سألت سعيد بن جبير عن العمرة واجبة هي قال نعم فقال له نسير بن رومان إن الشعبي يقول ليست واجبة قال كذب الشعبي إن الله تعالى يقول (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. قال أبو عمر قوله كذب ها هنا معناه غلط وهو معروف في اللغة وقد أتينا بشواهده في غير هذا الموضع قال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج عن عطاء قال ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان ولا بد منهما كما قال الله تعالى (من استطاع إليه سبيلا) حتى أهل بوادي قائل إلا أهل مكة فإن عليهم حجة وليست عليهم عمرة من أجل أنهم أهل البيت يطوفون به وإنما العمرة من أجل الطواف قال أبو عمر قول عطاء هذا بعيد من النظر ولو كانت العمرة ساقطة عن أهل مكة لسقطت عن الآفاق والله أعلم. وأما قول مالك في هذا الباب لا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مرارا فقد قاله غيره وإن كان جمهور العلماء على إباحة العمرة في كل السنة لأنها ليس لها عند الجميع وقت معلوم ولا وقت ممنوع لأن تقام فيه إلا من بعد طواف الحج بالبيت أو آخره في الطواف أو عند طواف القدوم إلى أن يتم حجة وما عدا هذا الوقت فجائز عمل العمرة فيه العام كله إلا أن من أهل العلم من استحب إلا يزيد في الشهر على عمرة ومنهم من استحب أن لا يعتمر المعتمر في السنة إلا مرة واحدة كما قال مالك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمع عمرتين في عام والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة لأنه عمل بر وخير فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل ولا دليل أمنع منه بل الدليل يدل عليه بقول الله (عز وجل) (وافعلوا الخير) [الحج 77]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. وأما الاستحباب بغير لازم ولا يضيق لصاحبه ذكر عبد الرزاق قال أخبرني الثوري عن منصور عن إبراهيم قال كانوا لا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة قال. وأخبرنا جعفر عن هشام عن الحسن أنه كان يكره عمرتين في سنة وقال بن سيرين تكره العمرة في السنة مرتين. وأما الذين أجازوا العمرة في السنة مرارا فمنهم علي وبن عباس وبن عمر وعائشة وأنس والقاسم بن محمد وطاوس وسعيد بن المسيب ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال اعتمرت عائشة في سنة ثلاث مرات مرة من الجحفة ومرة من التنعيم ومرة من ذي الحليفة قال. وأخبرنا عبيد الله وعبد الله ابنا عمر عن نافع أن بن عمر اعتمر في عام القتال عمرتين قال. وأخبرنا معمر عن الثوري عن صدقة عن القاسم قال فرطت عائشة في الحج فاعتمرت تلك السنة مرارا ثلاثا قال صدقة قلت للقاسم أنكر عليها أحد قال سبحان الله ! على أم المؤمنين وذكر الطبري قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر ! قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معاذة عن عائشة قالت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام هي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق قال أبو عمر هذا قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا العمرة جائزة في السنة كلها إلا يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق فإنها مكروهة فيها وكان القاسم يكره عمرتين فيها ويقول في كل شهر عمرة وكذلك قال طاوس في كل شهر عمرة وعن علي (رضي الله عنه) في كل شهر عمرة وقال عكرمة يعتمر متى شاء وقال عطاء إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين وعن طاوس إذا ذهبت أيام التشريق فاعتمر ما شئت وقال الثوري السنة كلها وقت العمرة يعتمر فيها من شاء متى شاء وهو قول أبي حنيفة والشافعي وسائر الفقهاء إلا ما ذكرنا من تخصيص أيام التشريق وقد يحتمل قول الثوري أن يجوز العمرة لكل من طاف طواف الإفاضة لأنه قد دخل الحل كله وليست العمرة بواجبة من أيام التشريق قال مالك في المعتمر يقع بأهله أن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى يبتديها بعد إتمامه التي أفسد ويحرم من حيث أحرم بعمرته التي أفسد إلا أن يكون أحرم من مكان أبعد من ميقاته فليس عليه أن يحرم إلا من ميقاته قال أبو عمر لا يختلف العلماء في أن كل من أفسد عمرته بوطء أهله أن عليه إتمامها ثم قضاءها إلا شيء جاء عن الحسن البصري سنذكره في باب من وطىء في حجة لم يتابعه عليه أحد فإنهم مجمعون غير الرواية التي جاءت عن الحسن على التمادي في الحج والعمرة حتى يتما ذلك ثم القضاء بعد والهدي للإفساد إلا أنهم اختلفوا في الوقت الذي إذا جامع فيه المعتمر أفسد عمرته ف مذهب مالك والشافعي أن المعتمر إذا وطىء بعد إحرامه بالعمرة إلى أن يكمل السعي بعد الطواف فعليه عمرته وعليه المضي فيها حتى يتم والهدي لإفسادها ثم قضاؤها وإن جامع قبل الحلاق وبعد السعي فعليه دم وهو قول الشافعي قال الشافعي إن جامع المعتمر فيما بين الإحرام وبين أن يفرغ من الطواف والسعي أفرد عمرته. وقال أبو حنيفة إن طاف ثلاثة أشواط ثم جامع فقد أفسد عمرته وإن طاف أربعة أشواط ثم جامع فعليه دم ولم يكن عليه قضاء عمرته ويتمادى ويجزيه وعليه دم يجزيه منه شاة قال أبو عمر الصواب في هذه المسألة ما قاله مالك والشافعي. وأما قول الكوفيين فلا وجه له إلا خطأ الرأي والإغراق في القياس الفاسد على غير أصل. وقال الشافعي أحب لمن أفسد عمرته أن يعجل الهدي وله أن يؤخره إلى القضاء. وأما مالك فاستحب تأخيره إلى القضاء وكلهم يرى أن يقضي العمرة من أفسدها من ميقاته الذي أحرم منه بها إلا أن مالكا قال إن كان أحرم بها من أبعد من ميقاته أجزاه الإحرام بها من الميقات. وقال مالك من دخل مكة بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وهو جنب أو على غير وضوء ثم وقع بأهله ثم ذكر قال يغتسل ويتوضأ ثم يعود يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويعتمر عمرة أخرى ويهدي وعلى المرأة إذا أصابها زوجها وهي محرمة مثل ذلك قال أبو عمر إنما أمره بإعادة الطواف لأن طوافه كان كلا طواف إذ طافه على غير طهارة ولما كان على المفسد عمرته التمادي فيها حتى يتمها أمرنا بالكفارة للطواف لأنه كالصلاة لا يعمل منه شيء إلا الطهارة وهو قول الشافعي ويلزم أبا حنيفة وأصحابه أن يأمروه بالطهارة لأنه بمكة لم يرجع إلى بلده إن كان وطئه قبل أن يكمل أربعة أشواط قال مالك فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك يجزئ عنه إن شاء ولكن الأفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما هو أبعد من التنعيم قال أبو عمر لا مدخل للقول في هذا وإنما اختار مالك رحمه الله أن يحرم المعتمر بالعمرة من الميقات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت للحاج منهم والمعتمر بالعمرة من ميقات رسو ل الله صلى الله عليه وسلم أفضل والتنعيم أقرب الحل إلى الطواف بالبيت والسعي هذا ما لا خلاف فيه ولا يصح العمرة عند الجميع إلا من الحل لمكي وغير مكي فإن بعد كان أكثر عملا وأفضل ويجزئ أقل الحل وهو التنعيم وذلك أن يحرم بها من الحل فأقصاه المواقيت أدناه التنعيم واختلف العلماء فيمن أحرم بعمرة من الحرم فقال مالك ما رأيت أحدا فعل ذلك ولا يحرم أحد من مكة بعمرة. وقال أبو حنيفة وصاحباه من أحرم بمكة أو من الحرم بعمرة فإن خرج محرما إلى الحل ثم عمل عمرته فلا شيء عليه وإن لم يفعل حتى حل فعليه دم لتركه الميقات وكذلك لو طاف بها شوطا أو شوطين لزمه الدم ولا يسقطه عنه خروجه إلى الميقات قال أبو عمر قياس قول مالك (الأول) عندي فيمن أحرم بعمرة من الحرم أنه يلزمه الدم ولا ينفعه خروجه إلى الحل بعد إحرامه بالعمرة من مكة و(الثاني) إن خرج ملبيا يلبي بالعمرة وخارجا من الحرم يدخل ثم يدخل فيطوف بالبيت ويسعى أنه لا شيء عليه. 737- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج. 837- مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان يقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا يخطب. 739- مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه. 740- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره. 741- مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح المحرم ولا ينكح قال مالك في الرجل المحرم إنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه قال أبو عمر حديث مالك عن ربيعة في هذا الباب غير متصل وقد رواه مطر الوراق فوصله رواه حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما فأما تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة فقد اختلفت فيه الآثار المسندة واختلف في ذلك أهل السير والعلم في الأخبار أن الآثار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا أتت متواترة من طرق شتى عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وعن سليمان بن يسار وهو مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو بن أختها وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن وبن شهاب وجمهور علماء المدينة يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا بن عباس وحديثه بذلك صحيح ثابت من نكاح ميمونة إلا أن يكون متعارضا مع رواية غيره فيسقط الاحتجاج بكلام الطائفتين وتطلب الحجة من غير قصة ميمونة وإذا كان ذلك كذلك فإن عثمان بن عفان قد روى عن النبي صلى الله (عليه وسلم) أنه نهى عن نكاح المحرم وقال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا معارض له لأن حديث بن عباس في نكاح ميمونة قد عارضه في ذلك غيره أخبرنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو فزارة عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة ابنة الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال يزيد كانت خالتي وخالة بن عباس وروى حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف وهما حلالان بعد ما رجعا من مكة وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا قال أبو عمر قد نقل قوم حديث يزيد بن الأصم مرسلا لظاهر رواية الزهري وليس كما ظهر إلا رواية الزهري فحملت للتأويل وجاز لمن أخبرته ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا أن يخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا يحدث به هكذا وحده يقول حدثتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا على أنهم يلزمهم مثله في حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم لأنه ليس فيه أن ميمونة أخبرته وموضع بن عباس من ميمونة بموضع يزيد بن الأصم سواء واختلف الفقهاء في نكاح المحرم فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي لا ينكح المحرم ولا ينكح فإن فعل فالنكاح باطل وهو قول عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وبه قال أحمد بن حنبل قال أحمد ذهب فيه إلى حديث عثمان وقال روى عن عمر وعلي وزيد بن ثابت أنهم فرقوا بينهما. وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري لا بأس أن ينكح المحرم وأن ينكح وهو قول القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه لم ير بنكاح المحرم بأسا قال. وأخبرني الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال يتزوج المحرم إن شاء الله لا بأس به قال عبد الرزاق قال الثوري لا يلتفت إلى أهل المدينة حجة الكوفيين في جواز نكاح المحرم حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم رواه عن بن عباس جماعة من أصحابه منهم عطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر وجابر بن زيد أبو الشعثاء وعكرمة وسعيد بن جبير وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار قال حديث بن شهاب عن جابر بن زيد عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم فقال بن شهاب حدثني يزيد بن الأصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة قال عمرو فقلت لابن شهاب أتجعل حفظ بن عباس كحفظ أعرابي يبول على فخذيه ! ! قال أبو عمر قد ذكرنا حجة الحجازيين القائلين بأن نكاح المحرم لا يجوز لحديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نكاح المحرم وأن عمر بن الخطاب فرق بين من نكح وبين امرأته والفرقة لا تكون في هذا إلا عن بصيرة مستحكمة وذكرنا جماعة الأئمة القائلين من أهل المدينة وليس مع العراقيين في هذا حجة إلا حديث بن عباس في قصة قد خالفه فيها غيره بما قد تقدم ذكره وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن ميمون بن مهران قال أتيت صفية ابنة شيبة امرأة كبيرة فقلت لها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم قالت لا والله لقد تزوجها وهما حلالان. وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا بن سنجر قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم قال سعيد بن المسيب وهم بن عباس وإن كانت خالته تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما حل قال أبو عمر أظن القائل قال سعيد عطاء أو الأوزاعي واختلف أهل السير في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب أنه تزوجها حلالا وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى تزوجها وهو محرم والأول اصح إن شاء الله والحجة في ذلك حديث عثمان والحمد لله. وأما قول مالك في الرجل المحرم أنه يراجع زوجته إن شاء إذا كانت في عدة منه فلا خلاف في ذلك بين أئمة الفقهاء بالأمصار وليست المراجعة كالنكاح لأنها زوجه لا يحل في رجعتها الصداق ولا الولي وتلزمه نفقتها ويلحقها طلاقه لو طلقها وكذلك أبناؤه وظهاره منها. 742- مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق رأسه وهو يومئذ بلحيي جمل فكان بطريق مكة. 743- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يحتجم المحرم إلا مما لا بد له منه قال مالك لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز للمحرم حلق شيء من شعر رأسه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر إلا من ضرورة وأنه إن حلقه من ضرورة فعليه الفدية التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة حين آذاه القمل في رأسه حتى تناثر على وجهه واختلفوا فيمن فعل ذلك على ضرورة وسيأتي ذكره ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله. وأما حديثه في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار فإنه متصل ولكنه متصل من وجوه صحاح من حديث بن عباس وحديث جابر وحديث أنس وحديث عبد الله بن بحينة كلهم يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو محرم وبعضهم يروي وهو صائم محرم وأكثرهم يقول من أذى كان برأسه أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هلال بن بشر قال حدثنا محمد بن خالد بن عثمة قال حدثني سليمان بن بلال قال حدثني علقمة بن أبي علقمة عن الأعرج قال سمعت عبد الله بن بحينه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وسط رأسه وهو محرم بلحيي جمل من طريق مكة قال أبو عمر هذا حديث مدني لفظه لفظ حديث مالك. وأخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من أذى كان به قال أبو عمر إذا لم يحلق المحرم شعرا فهو كالعرق يقطعه أو الدمل يبطه أو الدمل ينكزها ولا يضره ذلك ولا شيء عليه فيه عند جماعة العلماء.
|